°روايه بعد فوات الأوان° الجزء الاول للكاتبه ^زينب سعيد^

0 8

الجزء الأول♥

 

قدمان أخذتا صاحبتهما لسقف بناية عالية ..لتأخذها الشجاعة للوقوف على السور والنظر إلى السماء وكأنها لا تهتم بخطورة ما تفعله

جمع من الناس يقفون أسفل البناية يشاهدون ما يحدث ..

يد امتدت إلى مقبض اسانسير لتحاول فتحه بشدة ولكنه كان عالقا فلجأ إلى السلم

فأصبحت القدمان تطوى درجات السلم بخفة وتسارع الزمن وتعاند ضربات القلب وتسارع الشهيق والزفير ..

فتاة شعرها بنى طويل ليست بالطويلة أو بالقصيرة يبدو على وجهها التعب والإرهاق ويبدو فى عينيها الزرقاء حزن دفين تقف على سور البناية العريض..تتزايد سرعة الهواء التى تحرك خصلات شعرها لتتلاطم على وجهها وكأنها تساعدها فى تنفيذ ما يدور فى خاطرها

(ندى )

جاءها نداء صارخ باسمها ..جعلها تفيق من شرودها ولكنها لم تستدر

كان ذلك أحب صوت لها جعل قلبها يدق سريعا ..ورغبت أكثر فى أن تسارع فى تنفيذ جنونها خوفا من أن يوقفها كلامه عن قرارها أو أن تخاف وتضعف وتعود أدراجها إلى أحضانه لتخفى ضعفها ..

إنه أحمد (شاب فى سن خمس وعشرين عاما ذو طول فارع وشعر أسمر ناعم وعيون سمراء والبشرة الخمرية أعطاه الله من الجمال ما يليق بجمال زوجته ندى)

أكمل أحمد كلامه بخوف :ندى ..إنتى بتعملى إيه إنتى اتجننتى؟

استدارت ندى ببطء ونظرت لأحمد بصمت

اقترب منها أحمد وهو يقول :يلا انزلى

ندى بتهديد بصوت مختنق مشيرة بالابهام :أحمد متقربش منى ..أنا مش هرجع عن قرارى

توقف أحمد مكانه ليقول بصراخ وغضب:قرار إيه ؟إنتى مجنونة؟

لحظات من الصمت قطعها أحمد بهدوء قائلا: فى إيه يا ندى إيه اللى حصل ؟كنتى لسه من ربع ساعة مبسوطة وفرحانة وقولتيلى إنك هتروحى لدكتورة فى القاهرة وإنك مفقدتيش الأمل ..ندى متعمليش كده أنا مقدرش أعيش من غيرك

ندى ببكاء شديد:إنت كداب ..إنت عمرك ما حبتنى ..إنت كسرت قلبى يا أحمد ..

نزلت كلماتها كالصاعقة على رأس أحمد فلم يكن يعقل كلامها ولا يفهمه

بدأت الغيوم تملأ السماء ..وبدأ المطر يهطل بخفة

أحمد بخوف محاولا اقناعها بتغيير قرارها الجنونى :ندى انزلى ..أنا مش عايز ولاد ..أنا عايزك إنتى ..إنتى أهم عندى من أى حد..أنا مقدرش أكسر قلبك أبدا

ندى بوجع وبكاء:بس إنت كسرته

هز أحمد رأسه باستنكار ونفى :لأ ..لأ يا ندى ..هاتى ايدك

مد أحمد يده صوبها لعلها تمد يدها وتتمسك به ..ولكنها نظرت له نظرة انكسار وضعف ووجع وعينان قد اغرورقت بالدموع التى تساقطت كقطرات المطر

ومن ثم مدت ذراعها نحوه بوهن وابتسمت باستهزاء وانكسار وفى اللحظة التى جرى فيها أحمد نحوها ..كانت قد أعلنت استسلامها و ألقت بنفسها فى أحضان الموت ..فقد خطفها الموت من حبيبها ..ألقت بنفسها وسط الرياح الشديدة والمطر الغزير ..ثوان سقطت فيها أرضا وسقطت معها روح أحمد الذى صرخ باسمها..

(ندااااااااا..ندااا نداا ندى)

 

(وكإن الوردة دبلت تحت المطر!

..مع إن الورد ياما تحته كبر!

معقول الحبيب بحبيبه غدر !

من إمتى النجوم بتكره القمر!

كنتى قمرة فى سمايا

كنتى علطول ويايا

كنتى مابتفرقنيش

كنتى ومازلتى روحى اللى جوايا

كنتى كونى

ونور عيونى

وروح بترد روح

ليه تروحى يا روحى

وقلبك منى مجروح

بيقولوا الحياة مابتقفش على حد

وأهى ماشية وبتعدى

طب ليه جت

بنت من الضلمة سد

ووقفت عندى؟ )

لم يكن يعلم أحمد كيف حملته قدماه لهبوط السلم ..

وكان الناس قد اجتمعوا حول ندى فى رعب وفزع منهم من ضرب كفا على آخرى قائلا :لا إله إلا الله ..إنا لله وإنا إليه راجعون

اقتحم أحمد الزحام وهو يدفع الناس بعيدا عن طريقه :وسعوا .. ابعدوا ..ندى ..ندى

حتى وصل آخيرا إليها ونزل على ركبتيه ..كان شعرها يخبئ وجهها فرفع رأسها بسرعة وهو يبعد شعرها عن وجهها ليقول بصوت مختنق عندما رأى الدماء تسيل من رأسها على كفيه:ندى ..ندى ..ليه كده يا ندى ليه؟

ثم احتضن رأسها وهو يصرخ ويبكى بشدة:ليه؟عملتى كده ليه؟..كسرت قلبك إزاى أنا ؟..عملت إيه أنا علشان تعملى فيا كده ..إنتى عارفة كويس إنى مش هعرف أعيش من غيرك ..عملتى فيا ليه كده ..أنا عمرى ما حبيت حد أد ما حبيتك ..

واشتد المطر أكثر فى الهطول وابتعد الناس كل منهم يبحث عن مخبأ من المطر

وبقى أحمد فى منتصف الطريق يحتضن ندى وهو يصرخ باسمها

(وكإن الزهور

طالعة فى أرض بور

..مفيهاش غير أشواك

توجع الشعور

وشمس النهار

طفت النور

..والقمراية اتخبت

ورا أعلى سور

وكإن الليل

جاى بدرى عن مواعيده

..نسى يجيب القمر

معاه فى إيده

والسما معتمة

..ماحبيبى خلاص راح

وراح اللى أريده )

سماعة هاتف أبلغت النبأ لأحدهم لترتجف يده وتسقط السماعة مرتطمة بالأرض الصلبة ويسود السواد ..

يوم سطعت فيه الشمس على خجل واستحياء من أن تعلن أن لهذا اليوم نهار

اللون الأسود لا غيره قد ارتدته النساء وهن يغادرن المدافن ببكاء ونحيب

وقف أحمد وحيدا أمام قبر ندى انحنى ليضع الزهور البنفسجية عليه واستقام قائلا وهو يحاول منع نفسه من البكاء:الله يرحمك

صمت برهة وقال:يا ندى

وهناك فرت الدموع من عينيه

(تعرف الشقة دى واسعة وحلوة أوى ومريحة )

قالتها ندى وهى تسير مع أحمد فى شقتها التى كانت جدرانها مازالت بالطوب الأحمر..

تحركت بخطوات سريعة نحو الشرفة (الله البلاكونة دى حلوة أوى)

واستندت على سورها بظهرها وهى تنظر لأحمد الذى اسرع صوبها قائلا بقلق:ندى ابعدى عن السور ..الشقة لسه جديدة ..يمكن السور يكون ضعيف

ضحكت ندى وهى تستند بقوة أكثر :إيه خايف عليا؟

وهنا جذبها أحمد بعيدا عن السور حيث أمسكها من معصمها قائلا بغضب:ندى الروح مش لعبة ..لو ضاعت مش هنلاقيها تانى

نظرت ندى فى عينيه ثم إلى قبضة يده التى أحكمت على معصمها وقد شعرت بمدى خوفه عليها

أزاح أحمد يده عنها قائلا :آسف

ودخل إلى الشقة منزعجا ..فتبعته ندى قائلة:هو أنا لو مت قبلك إنت هتعمل إيه؟

استدار أحمد وهو يحاول السيطرة على أعصابه:ندى ..إنتى قاصدة تضايقينى صح؟..ياريت ما تجبيش سيرة الموت تانى

ندى:ليه هو إحنا مش كلنا هنموت ؟

أحمد بنفاذ صبر:أكيد كلنا هنموت ..بس مش ضرورى تجيبى سيرة الموت

ندى بلهجة طفولية:يعنى برضو لو أنا مت قبلك …

قاطعها أحمد بغضب وتوتر:مستحيل ..مستحيل تموتى قبلى ..أعيش إزاى أنا ..قال تموتى قبلى قال

ضحكت ندى على جملته الأخيرة

فأكمل أحمد :هنعيش أحلى حياة ..وهيبقى عندنا ولاد ملك وعبد الرحمن ..هتبقى أحلى أم وأنا هبقى أب

ضحكت ندى :حيلك حيلك ..إحنا يا دوب لسه مخطوبين ..

أحمد :ومالو يا أم عبد الرحمن ..كلها كام شهر وتبقى مراتى

(أحمد )

قطع شروده صوت أحدهم ..فرحل معه بخطوات ثقيلة واهنة

(وأسدل الستار

على نهاية حزينة

والنهار انهار

وماتت الياسمينة

وساد السواد

وراحت الحبيبة

وزاد البعاد

آاااه يا دنيا غريبة

حبيبتى كانت وعدانى

إنها مش هتسيبنى

فجأة لقيتها بعدانى

عنها وبتعاتبنى

وفات الأوان

وعدى المعاد

وحبببتى اللى من زمان

اختارت البعاد

وأسدل الستار

على نهابة حزينة

والنهار انهار

وماتت الياسمينة)

 

*******

يجلس أحمد فى غرفته على أحد جوانب السرير مطأطئ رأسه غزا الحزن ملامحه فأبهتها ..رفع رأسه ناظرا إلى سقف الحجرة أخذ نفسا وأطلقه بضيق وهو يغمض عينيه متوجعا :آاااه

فك أحمد رابطة العنق (الجرافطة)

ثم وقف ليتجه صوب الدولاب وفتحه ليلقى بالجرافطة فى الدولاب ورفع ذراعيه ليستند براحتى يديه على حافة رف فى الدولاب ونظر فى الأرض باكيا ..وعندما سحب يديه وابتعد عن الدولاب سقط دفترا صغيرا ورديا على الأرض بجوار هاتف محطم …

%d مدونون معجبون بهذه: