هل بالفعل المركب مسكونة؟ النظرة الثانية من لقاء العيون بقلم الكاتبة زينب سعيد الليثى
(لم أشعر بأن المركب هو الذى يأخذ اتجاهه بنفسه؟ ..وكأنه لا يستجيب لتجديفي..أيكن حديث الصبى صادقا)
قالها أمير بقلق
فحاول أن يعود أدراجه ..قبل أن يخيم الليل. وتصبح العودة صعبة ولكن فجأة وكأن شيئا قد سحب منه المجاديف ..وعلت الأمواج وأصبح المركب يدور في البحر .وفجأة سقط أمير في المركب اصطدمت رأسه بحافة القارب وغاب عن الوعى
(
(النظرة الثانية )
فى زمن يبدو مختلفا عن زمننا ذلك الزمن الخاص بالملوك والملكات فى العصور القديمة
عينان سمراوتان واسعتان ..زاد الكحل من اتساعهما ..شعر أسمر
طويل تزينه الزهور ينسدل على الظهر ..تقف فتاة طويلة رفيعة لتترك كرسي المرآة
ترتدى فستانا قصيرا ضيقا عند الصدر ثم يتسع يعلو الركبة عارى الكتفين لونه أسود
(جاهزة مولاتي قوت) قالتها الخادمة قمر التي تقف بعيدا عند باب الحجرة
فأومأت قوت بالإيجاب
*****************
يقف شاب قد يصل الخمس وعشرين عاما أمام المرآة عيناه زرقاوتان أسمر اللون طويل. ترتسم على شفتيه ابتسامة لا تنم عن خير ..قد ارتدى ملابسا من الجلد الأسود تلتصق على جسده .تظهر قوة بنيانه
(جاهز يا سيدى جعفر)قالها الخادم الذى يقف خلفه
فرد جعفر بلهجة تبدو فيها الفرحة وهو ينظر لنفسه في المرآة: نعم يا ميمون
ثم استدار ينظر لميمون قائلا: إنها دقائق. فقط عدة دقائق ..وتصبح لي ..وتصبح كل الأمور بيدي ..وربما أصبح حاكم أرض لازانيا
ثم أمسك بكتفي ميمون ليهزهما قائلا بفرحة: نعم ..سأصبح حاكم لازانيا
******
يجلس الصبى مع أبيه في بيتهما الفقير
الصبى وقد قتله الفضول:أخبرنى يا أبى ..لماذا كل من يذهب لا يعود؟ فقط كنت تقول لي هذا ولم تخبرني شيئا آخر
تنهد الرجل ليقول:لاأعلم ..لا أحد يعلم شيئا .كل ما سمعته ..أنه منذ عشرين عاما
**فلاش باك
(امرأة تقف على باب كوخ صغير جميل تلوح لزوجها الذى ركب قاربا مكتوب عليها العيون السمراء يلوح هو الآخر لها ليقول بصوت عال: سوف أحضر ما تحتاجين وأعود سريعا
ابتسمت زوجته ودخلت إلى الكوخ لتعتني بطفلتها صاحبة الاثني عشر شهرا . وعندما عاد الرجل وجد زوجته ملقاه على الأرض لا تتحرك وطفلتهم قد اختفت)
الصبى وقد زاد فضوله :وماذا بعد يا أبى؟ ألم يجدوا طفلتهم؟
الرجل: هلك الرجل بحثا عن طفلته ..وباع لي قاربه ..ورحل مع زوجته التي قالت أنها خرجت من الكوخ لترى إن كان زوجها قد عاد أم لا وعندما عادت لم تجد طفلتها ولا تعرف كيف اختفت طفلتها ..وأي شيء قصته على الشرطة لم يمكنهم من الوصول لشيء
صمت الرجل قليلا ثم أكمل: لم أكن أعلم أنه سوف يكون قارب شؤم ونحس .انتشرت قصة ذلك الرجل ..ولم يجرأ أحد على ركوب ذلك القارب ..حتى أن محققي الشرطة ذهبوا إلى ذلك الكوخ ولم يكتشفوا شيئا .
الصبى: هل عادوا يا أبى ؟
الرجل :ذهب أولا محققان وعادا دون أن يجدا شيئا ..وبعد ذلك ذهب أربعة محققين واختفوا ولم يعدوا
الصبى: يبدو أن هناك خطأ ما بعيدا عن القارب يا أبى
الرجل: لم تقول ذلك؟
الصبى: أذهب محققو الشرطة الستة بقاربك؟
الرجل: لا
الصبى:ومع ذلك ..عاد الاثنان واختفى الأربعة ..رغم أن القارب التى ذهبوا بها ليست هى قاربنا
الرجل :ماذا تريد أن تقول؟
الصبى:يبدو أن هناك خطأ ما بعيدا عن القارب
الرجل :مثل ماذا؟
الصبى:لا أدرى ..أمر ما أرعب الناس من ارتياد قارب فى ذلك البحر
**************
يختبئ البدر خلف السحاب ..هواء شديد يحمل الأتربة والغبار….اصطدم المركب بالشاطئ .. وأفاق أمير ليجد نفسه فى القارب ينهض ببطء ويضع يده على رأسه متألما (ماذا حدث؟)..ينظر حوله وكانت الرؤية صعبة حاول الوقوف ولكنه كان يشعر بالدوار ..حاول جاهدا للخروج من المركب وتمكن من الخروج بصعوبة والقى بنفسه على الأرض فلم يتمكن من المشي .
.******
قصر فخم له سلم طويل يؤدى إلى باب عال مزخرف .يصطف الجنود على جانبي السلم .و يجتمع الناس في ساحة واسعة أمام السلم جميعهم يلبسون الأبيض رجالا ونساء وأطفالا تبدو البهجة على وجوههم ..تلمع عيونهم الزرقاء بالفرحة
شاب في عمر الخمسة عشر عاما لسيدة في عمر الأربعين عاما :أمي ..يقولون أنهم سيطعموننا الليلة .لحما..
الأم ببهجة :نعم يا بنى وسيوزعون الفاكهة أيضا
طفل في عمر التاسعة : ليتنا نأكل هكذا دوما يا أمي ..مللت المعكرونة والخبز
تطلق فجأة أصوات الأبواق والطبول ويصطف الجنود في صفين متقابلين ..يفتح باب القصر لتخرج الأميرة مع والدها الملك ..يحيى الملك الناس الذى كانوا يصفقون ويهللون فرحين
يصعد جعفر السلم بتباه ..حتى وصل عند الملك فانحنى ليحييه ثم وقف بجوار الأميرة مبتسما ..على عكس الأميرة قوت التي كانت وكأنها لا تبالى بما يحدث
****************************
بدأ الجو في الهدوء وخرج القمر من مخبأه خلف السحاب ..وقف أمير يتأمل المكان حوله حتى وقعت عينه على كوخ صغير يبدو قديما جدا ..وكأن أحدا لم يدخله منذ زمن. تقدم صوبه ببطء
***
في الساحة ..أمسك جعفر يد قوت ليرقصا معا على موسيقى هادئة
وتتابعهم أنظار الناس ..تلك العيون الزرقاء
**************
فتح أمير الباب الخشبي للكوخ بصعوبة وكان الجو مظلما يخفف العتمة ضوء القمر .. وبدأ يخطو فيه بضع خطوات بطيئة يتحسس ما حوله بهدوء ..حتى لمست يده ( كاسيت ) ليسقط على الأرض وتخرج منه أغنية عبد الحليم حافظ (على أد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم سلم ..ده أنا يا ما عيوني عليك سألوني وياما بتألم……..)
وسقط أمير مرة آخري على سرير قديم بال ليغط في النوم.. فكان مرهقا جدا
(لا لا لا ..أوقفوا تلك الأغنية …أوقفوها الآن)
صرخت قوت وهى تبتعد عن جعفر وتضع يدها على أذنها وتبكى بشدة ثم سقطت على الأرض ..فأغنية عبد الحليم حافظ تملأ بصداها أرض لازانيا
*****
توقفت الموسيقى التي كانت ترقص عليها قوت مع جعفر..بينما أغنية عبد الحليم حافظ تعلو أكثر
جثى جعفر على ركبته يحاول أن يهدئها : قوت
وجاء الملك مسرعا وكذلك الخادمة قمر
وكان الناس يتابعون ما يحدث باستغراب ..وبدأت الثرثرة بين الناس
فما قصة أغنية عبد الحليم حافظ ؟وما هى أرض لازانيا ؟وماذا سيحل بأمير ؟ وما قصة الكوخ ؟
كل هذا وأكثر فى النظرة الثالثة ..انتظرونا غدا